فصل: وسئل عن النهوض والقيام عند قدوم شخص معين معتبر أحرام هو؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


/ سئل ـ رحمه الله ـ

عمن يبوس الأرض دائمًا هل يأثم ‏؟‏ وعمن يفعل ذلك لسبب أخذ رزق وهو مكره كذلك ‏؟‏

فأجاب‏:‏

أما تقبيل الأرض، ورفع الرأس، ونحو ذلك مما فيه السجود، مما يفعل قدام بعض الشيوخ وبعض الملوك ـ فلا يجوز، بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضا، كما قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ الرجل منا يلقى أخاه أينحنى له، قال‏:‏ ‏(‏لا‏)‏‏.‏ ولما رجع معاذ من الشام سجد للنبى صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏ما هذا يا معاذ ‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ يا رسول الله، رأيتهم فى الشام يسجدون لأساقفتهم، ويذكرون ذلك عن أنبيائهم‏:‏ فقال‏:‏ ‏(‏كذبوا عليهم، لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من أجل حقه عليها‏.‏ يا معاذ، إنه لا ينبغى السجود إلا لله‏)‏‏.‏

وأما فعل ذلك تدينًا وتقربًا فهذا من أعظم المنكرات، ومن اعتقد مثل هذا قربة، وتدينًا فهو ضال مفتر، بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة، فإن أصر على ذلك استتيب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏

وأما إذا أكره الرجل على ذلك، بحيث لو لم يفعله لأفضى إلى ضربه / أو حبسه، أو أخذ ماله أو قطع رزقه الذى يستحقه من بيت المال ونحو ذلك من الضرر، فإنه يجوز عند أكثر العلماء، فإن الإكراه عند أكثرهم يبيح الفعل المحرم كشرب الخمر ونحوه، وهو المشهور عن أحمد وغيره، ولكن عليه مع ذلك أن يكرهه بقلبه، ويحرص على الامتناع منه بحسب الإمكان، ومن علم الله منه الصدق أعانه الله تعالى، وقد يعافى ببركة صدقه من الأمر بذلك‏.‏ وذهب طائفة إلى أنه لا يبيح إلا الأقوال دون الأفعال، ويروى ذلك عن ابن عباس ونحوه، قالوا‏:‏ إنما التقية باللسان، وهو الرواية الأخرى عن أحمد‏.‏

وأما فعل ذلك لأجل فضول الرياسة والمال فلا، وإذا أكره على مثل لك ونوى بقلبه أن هذا الخضوع لله تعالى كان حسنًا، مثل أن يكره كلمة الكفر وينوى معنى جائزًا‏.‏ والله أعلم ‏.‏

/  وسئل الإمـام العالـم العامـل الرباني، والبحر النوراني؛ أبـو العباس‏:‏ أحمد بن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ عن النهوض والقيام الذى يعتاده الناس، من الإكرام عند قدوم شخص معين معتبر، هل يجوز أم لا ‏؟‏ وإذا كان يغلب على ظن المتقاعد عن ذلك أن القادم يخجل، أو يتأذى باطنًا، وربما أدى ذلك إلى بغض وعداوة ومقت، وأيضا المصادفات فى المحافل وغيرها، وتحريك الرقاب إلى جهة الأرض والانخفاض، هل يجوز ذلك أم يحرم ‏؟‏ فإن فعل ذلك الرجل عادة وطبعًا ليس فيه له قصد، هل يحرم عليه أم لا يجوز ذلك فى حق الأشراف والعلماء، وفيمن يرى مطمئنًا بذلك دائما هل يأثم على ذلك أم لا ‏؟‏ وإذا قال‏:‏ سجدت لله هل يصح ذلك أم لا ‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله رب العالمين ‏.‏لم تكن عادة السلف على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، أن يعتادوا القيام كلما يرونه ـ عليه السلام ـ كما يفعله كثير من الناس، بل قد قال أنس بن مالك‏:‏ لم يكن شخص أحب إليهم من النبى صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما يعلمون من كراهته / لذلك، ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه تلقيًا له، كما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قام لعكرمة، وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ‏:‏ ‏(‏قوموا إلى سيدكم‏)‏ وكان قد قدم ليحكم فى بنى قريظة لأنهم نزلوا على حكمه ‏.‏

والذى ينبغى للناس أن يعتادوا اتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم خير القرون، وخير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يعدل أحد عن هدى خير الورى، وهدى خير القرون إلى ما هو دونه‏.‏ وينبغى للمطاع ألا يقر ذلك مع أصحابه، بحيث إذا رأوه لم يقوموا له إلا فى اللقاء المعتاد‏.‏

وأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيًا له فحسن ‏.‏

وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائى بالقيام ولو ترك لاعتقد أن ذلك لترك حقه أو قصد خفضه ولم يعلم العادة الموافقة للسنة فالأصلح أن يقام له؛ لأن ذلك أصلح لذات البين ،وإزالة التباغض والشحناء، وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة، فليس فى ترك ذلك إيذاء لـه، وليس هـذا القيام المذكور فى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مـن سره أن يتمثل لـه الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار‏)‏ فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد، ليس هو أن يقوموا لمجيئه إذا جاء؛ ولهذا فرقوا بين أن يقال‏:‏ قمت إليه وقمت له، والقائم للقادم ساواه فى القيام، بخلاف القائم للقاعد ‏.‏

وقد ثبت فى صحيح مسلم‏:‏ أن النبى صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم قاعدًا / فى مرضه صلوا قيامًا أمرهم بالقعود، وقال‏:‏ ‏(‏ لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضها بعضًا‏)‏ وقد نهاهم عن القيـام فى الصـلاة وهـو قاعـد، لئلا يتشبه بالأعاجـم الذين يقومـون لعظمائهـم وهـم قعود‏.‏

وجماع ذلك كله الذى يصلح اتباع عادات السلف وأخلاقهم، والاجتهاد عليه بحسب الإمكان‏.‏ فمن لم يعتقد ذلك ولم يعرف أنه العادة وكان فى ترك معاملته بما اعتاد من الناس من الاحترام مفسدة راجحة، فإنه يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، كما يجب فعل أعظم الصلاحين بتفويت أدناهما ‏.‏

/  فصل

وأما الانحناء عند التحية‏:‏ فينهى عنه، كما فى الترمذى عن النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنهم سألوه عن الرجل يلقى أخاه ينحنى له ‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لا‏)‏ ولأن الركوع والسجود لا يجوز فعله إلا لله عـز وجـل؛ وإن كـان هـذا على وجـه التحية فى غير شريعتنا، كما فى قصة يوسف‏:‏ ‏{‏وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ‏}‏ ‏[‏ يوسف‏:‏ 100‏]‏ وفى شريعتنا لا يصلح السجود إلا لله، بل قد تقدم نهيه عن القيام كما يفعله الأعاجم بعضها لبعض، فكيف بالركوع والسجود ‏؟‏ وكذلك ما هو ركوع ناقص يدخل فى النهى عنه ‏.‏

/  وقال شيخ الإسلام‏:‏

فصل

كان المشركون يعبدون أنفسهم وأولادهم لغير الله؛ فيسمون بعضهم عبد الكعبة، كما كان اسم عبد الرحمن بن عوف، وبعضهم عبد شمس، كما كان اسم أبى هريرة، واسم عبد شمس بن عبد مناف، وبعضهم عبد اللات، وبعضهم عبد العزى، وبعضهم عبد مناة وغير ذلك مما يضيفون فيه التعبيد إلى غير الله، من شمس أو وثن أو بشر أو غير ذلك مما قد يشرك بالله‏.‏

ونظير تسمية النصارى عبد المسيح‏.‏ فغير النبى صلى الله عليه وسلم ذلك وعبدهم لله وحده، فسمى جماعات من أصحابه‏:‏ عبد الله وعبد الرحمن، كما سمى عبد الرحمن بن عوف ونحو هذا، وكما سمى أبا معاوية وكان اسمه عبد العزى فسماه عبد الرحمن، وكان اسم مولاه قيوم فسماه عبد القيوم ‏.‏

ونحو هذا من بعض الوجوه ما يقع فى الغالية من الرافضة ومشابهيهم الغالين فى المشائخ، فيقال هذا غلام الشيخ يونس أو للشيخ يونس أو غلام ابن / الرفاعى أو الحريرى ونحو ذلك مما يقوم فيه للبشر نوع تأله، كما قد يقوم فى نفوس النصارى من المسيح، وفى نفوس المشركين من آلهتهم رجاء وخشية، وقد يتوبون لهم‏.‏ كما كان المشركون يتوبون لبعض الآلهة، والنصارى للمسيح أو لبعض القديسين ‏.‏

وشريعة الإسلام الذى هو الدين الخالص لله وحده، تعبيد الخلق لربهم كما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتغيير الأسماء الشركية، إلى الأسماء الإسلامية، والأسماء الكفرية إلى الأسماء الإيمانية، وعامة ما سمى به النبى صلى الله عليه وسلم عبد الله وعبد الرحمن، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى‏}‏ ‏[‏ الإسراء‏:‏ 110 ‏]‏ فإن هذين الاسمين هما أصل بقية أسماء الله تعالى ‏.‏

وكان شيخ الإسلام الهروى قد سمى أهل بلده بعامة أسماء الله الحسنى، وكذلك أهل بيتنا غلب على أسمائهم التعبيد لله، كعبد الله، وعبد الرحمن، وعبد الغنى، والسلام، والقاهر، واللطيف والحكيم، والعزيز، والرحيم، والمحسن، والأحد، والواحد، والقادر، والكريم، والملك، والحق‏.‏ وقد ثبت فى صحيح مسلم عن نافع عن عبد الله بن عمر‏:‏أن النبى صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة‏)‏ وكان من شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه فى الحروب‏:‏يا بنى عبد الرحمن ،يا بنى عبد الله ،يا بنى / عبيد الله، كما قالوا ذلك يوم بدر، وحنين، والفتح، والطائف، فكان شعار المهاجرين‏:‏ يا بنى عبد الرحمن، وشعار الخزرج يا بنى عبد الله، وشعار الأوس‏:‏ يا بنى عبيد الله ‏.‏

آخر ما وجد الآن من كتاب توحيد الألوهية‏.‏

ويليه كتاب توحيد الربوبية